هل حدث من قبل أن اخترت عطرا رائع الرائحة كهدية لزوجك أو لإحدى صديقاتك أو أقاربك، لكن المُهدَى إليه كان له رأي آخر تماما، لأن رائحة العطر نفسه بدت له غير جذابة ومنفرة؟!
إنها مشكلة قديمة العهد، وموقف تكرر مع كثير من الأشخاص، وجعل اختيار العطر كهدية للآخرين أمرا صعبا ومليئا بالمغامرة، إلا في حالة معرفة نوع واسم العطر الذي يفضله المٌهدَى إليه على وجه التحديد.
احتار العلماء طويلا في سبب حدوث ذلك، إلا أنهم نجحوا في النهاية في التوصل لمعرفة السبب في أن نفس الشيء لو شمه أكثر من شخص، فسيجد كل منهم رائحته مختلفة عما وجده الآخر.
المعروف والشائع عند معظم الناس أن هناك أشياء لها روائح معروفة ومحددة - زجاجة عطر من نوع معين، قطعة من الجبن ، ثمرة فاكهة - لكن الحقيقة هي أن كل شيء قد يبدو برائحة مختلفة تماما لدى كل شخص منا يشم الشيء نفسه!
وهذا ما اكتشفه علماء أمريكيون عندما أجروا أبحاثهم وتجاربهم في هذا الشأن، فالبشر يشمون الأشياء نفسها بشكل مختلف من شخص لآخر. في البحث الذي نشر في Nature Neuroscience journal، نجد أن 30 % من النهايات العصبية الطرفية التي تستقبل الرائحة عند الإنسان تختلف بين أي فردين من الناس.
ويكفي أن نعرف أن كل نهاية عصبية طرفية مسئولة عن استقبال الرائحة يمكنها أن تتسبب في تغيير الرائحة التي تبدو بها الأشياء نفسها عند كل شخص.
ويقول الدكتور جويل ماينلاند، إخصائي في علم الأحياء الجزيئية بمركز مونيل للحواس الكيميائية بولاية فيلادلفيا الأمريكية: "لو شم كل منا الشيء نفسه، ستكون هناك فجوة كبيرة بين الرائحة التي أشمها أنا، والرائحة التي تشمها أنت" .
ويضيف الدكتور ماينلاند: مقدار الاختلاف في وصول رائحة الشيء نفسه إلى شخصين كان مفاجئا لنا نحن بشكل كبير أثناء إجراء الاختبارات والتجارب. كان الاختلاف في استقبال الرائحة يصل إلى نسبة 30% ، وهي نسبة النهايات الطرفية المختلفة بين أي فردين والتي تستقبل الرائحة التي يشمها كل منهما، وهذا في الواقع رقم كبير للغاية".
ومن بين الحواس الخمسة للإنسان، يعتبر تسجيل رائحة بعينها شمها الإنسان في إحدى اللحظات، واستعادتها هو الأصعب على الإطلاق، وعندما يستعيد الإنسان هذه الرائحة، فإنه يستعيد معها على الفور ذكريات معينة ارتبطت بها، خاصة العطور، لأن رائحتها تجعل الإنسان يتذكر المكان الذي شمها فيه، أو الشخص الذي كان يضع هذا العطر. ومن المستحدثات في هذا الأمر، قيام فنان بريطاني بتطوير "كاميرا الروائح"، وهي أداة خاصة وظيفتها تخزين الروائح المختلفة، بهدف محاولة استعادتها أو تكوينها من جديد.
ويحتوي أنف الإنسان على حوالي 400 نهاية عصبية طرفية مختلفة، وظيفتها استقبال الروائح. وقد وجد الفريق العلمي المتخصص بقيادة الدكتور ماينلاند أن اختلاف مستقبل عصبي طرفي واحد، يمكنه أن يغير بشكل جذري كيفية استقبال الإنسان لرائحة شيء معين.
هل هذا شيء جيد أم سييء؟ عندما تختارين عطرا بدت لك رائحته رائعة، وتعودين للمنزل وأنت في غاية السعادة والفخر، وتقدمينه لزوجك بمنتهى الثقة وأنت تشعرين أن المال الكثير الذي دفعتِه في هذا العطر كان مستحقا، لكن أملك يخيب فجأة، من تعبير الاشمئزاز الذي بدا على وجه زوجك بعد أن شم العطر، ووجد رائحته بشعة ومنفرة بالنسبة له!! لابد وانه موقف محرج للغاية!
يقول الدكتور ماينلاند: "مدى نشاط الـ 400 مستقبل عصبي للروائح الموجودة بأنف كل إنسان، هو الأمر الذي يتوقف عليه كثافة الرائحة وجودتها. فعلى سبيل المثال، قد تبدو رائحة الشيء نفسه لأحد الأشخاص كرائحة الفانيليا، بينما تبدو لآخر كرائحة دخان السجائر. وينطبق هذا الأمر على آلاف الروائح المختلفة التي تمثل كل ما نشمه من حولنا في حياتنا اليومية، والسبب في ذلك هو اختلاف نسبة من المستقبلات العصبية للروائح كما ذكرنا، بالإضافة لمدى نشاط وفعالية هذه المستقبلات عند كل شخص".
قد لا يروق لك هذا الأمر، لكن عليك أن تكوني مدركة له، ولا تغامري أبدا بافتراض أن شخصا آخر ستروق له رائحة عطرك مادامت تروق لك، أو أن اختيارك لعطر جديد راق ، كهدية لشخص آخر، من الضروري أن يروق له أيضا!
ربما يعني هذا أيضا أن عليك اصطحاب زوجك معك عندما تتسوقين لشراء عطر جديد لك أنت، فإذا لم ترق له الرائحة، ابحثي عن عطر آخر!